هل تتكون الحياة النفسية من الشعور فقط ؟
هل تتكون الحياة النفسية من الشعور فقط ؟
هل مجمل الحياة النفسية شعورية أم هناك جانب لا شعوري؟
طرح المشكلة :
لقد كان لتطور
الطبيعة على مر العصور اثر بالغ على الانسانية جمعاء هذه الاخيرة التي فرضت نفسها
على الواقع الانساني فما كان على هذا الاخير الا ان يتقبل هذه الحقيقة و يرتقي الى
مستوى فهم جيد لها مجسدا بذلك ما يحمله من قدرات داخلية و خاريجية حتى يتمكن من
فهم كلي لعالمه الخارجي فاذا ذهبنا الى كيفية تحقيق هذا الاندماج مع العالم
الخارجي نجده قد استعمل وسائل عدة بعضها ظاهري و الاخر باطني والمتمثل في الحياة
النفسية و التي من مكوناتها الشعور و الذي يعرف في مفهومه ادراك المرئء لذاته او
هو حس الفكر لاحواله و افعاله (و الحدس معرفة ذاتية )و نظرا للتعقيد الذي تتميز به
الحياة النفسية جعلها تحظى باهتمام علماء النفس القدامى و المعاصرون فحاولوا
دراستها و تفسير الكثير من مظاهرها حيث اشار الى وجود ضواهر نفسية لا يدرك الانسان
اسبابها و لا يمكن ان يتحكم في حركاتها و اطلقوا عليها بالحوادث اللاشعورية و هذا
ما ادى الى ظهور جدل واسع بين الفلاسفة و المفكرين و المنظرين فالاول يرى الحياة
النفسية تتكون من الشعور اما البعض الاخر فيرى ان الشعور مكان في الحياة النفسية و
هذا ما يدفعنا الى طرح الاشكال التالي
هل
الشعور و حده قادر على تفسير كل هواجس حساتنا النفسية ؟و هل يعي الانسان جميع
افعاله؟
وهل
يمكن اعتبار اللاشعور على انه جزء من حياتنا النفسية ؟
و
ماهي الادلة و البراهين التي تؤكد على وجود اللاشعور؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الاطروحة :
يرى انصار هذا
الاتجاه ان الشعور هو قوام الحياة النفسية و هذا ما ذهب اليه انصار النظرية
الكلاسيكية فالشعور و النفس مترادفان و ما تكرارنا لكمية الشعور الا دليل على ذلك
فكثير ما نقول اننا نشعر بالحزن او اننا نشعر بالكئابة او بالفرح او نشعر بالجوع
او العطش فيكفي ان يحلل المرء شعوره ليتعرف بشكل واضح على كل ما يحدث في ذاته من
احوال نفسية او ما يقوم به من افعال و ما لا تشعر به فهو ليس من انفسنا ونجد هذا
الراي عند الفيلسوف العقلاني ديكارت الذي اتبع
منهج الشك حيث ارجع كل شيء الى البداية الاصلية الغير مشروطة في المعرفة و التي
حددها بعيارته المشهورة "انا افكر اذا انا
موجود" و هوما عرف بالكوجيتو الديكارتي فراى ان الانسان دائم التفكير
و بما انه كذلك فهو يشعر بكل ما يحدث يحدث على مستوى النفس و بما ان الشعور حدس و
الحدس معرفة مباشرة لا تخطئ فهو ينقل للفكر كل ماتعيشه النفس كما يقول
"لايوجد حياة اخرى الا الحياة الفيزيولوجية" فهو
ينفي ما يعرف بالاشعور ليتاكد لنا ان اساس الحياة النفسية هو الشعور فالنفس
البشرية لا تنقطع عن التفكير الا اذا انقطع وجودها فلا يمكن تصور عقل لا يعقل او
نفس لا تشعر فهو يتميز بالديمومة و هذا ما اكده الفيلسوف
برغسون حيث شبهه بالنهر الالمتدقق الدائم الجريان
فما دامت الديمومة من خصائص الشعور فلا نستطيع ان نقول عن الانسان السوي انه يشعر
ببعض الاحوال و لا يشعر بالاخرى يقول برغسون
"ان
الشعور هو همزة او حلقة وصل بين ما كان و ما سوف يكون و هو الجسر الذي يربط الحاضر
بالماضي فكل ماهو نفسي شعوري و كل ماهو شعوري نفسي "ومنه فالحياة النفسية مساوية للحياة
الشعورية كما نجد هذا الراي عند ابن سينا في الفكر الاسلامي حيث يقول "الشعور بالذات لا يتوقف ايدا "و منه فهو يحمل كل
الخبرات النفسية الخاصة بكل فرد من افكاره و ادراكاته و تخيلاته و عواطفه و
ذكرياته فشعوري بالفرح يكون عندما اجد ما يفرحني فهذا شعور مباشر لحالة انفعالية
شعورية و هي الفرح فالشعور معرفة مباشرة
لكل احوالنا النفسية كما انه يتميز بالذاتية فلكل شخص شعوره الخاص به فلا
يمكن للغير ان يطلع عليه فقد يكون الشخص
حزينا و لكنه يظهر غير ذلك (الفرح)و بالتالي لا يمكن للغير ان يعرف حقيقته مين دوبيران"لا توجد
واقعة يمكن القول عنها انها معلومة دون
الشعور بها "
و يقول جون يول سارت "السلوك يجري
دائما في مجرى شعوري "
المناقشة
: رغم الاهمية
التي تحتويها الشعوب كالظاهرة النفسية باعتباره ينقل للفكر عن كل ما تعيشه النفس
الانسانية الا ان هناك من ينفي الشعور و يققل من قيمته في الحياة النفسية فالمتامل
في حياة الانسان يكتشف انه لا يعيش كل لحضات حياته واعيا بل قد تصدر منها سلوكات
يعرف اسبابها و لا يدرك معانيها فكيف يمكن تفسير الصور التي تنتابنا اثناء النوم
او ما تعرف باحلام ؟ حيث يكون الشعور فيها غائبا و لا نستطيع التحكم فيها نفسر
فلتان اللسان التي تخرج منا دون ارادتنا؟ وما هي الحجج التي نقيمها على النسيان فنعجز عن
استرجاع ذكرياتنا ؟
عرض نقيض الاطروحة :
ذهب انصار هذا
الطرح الى الدفاع عن فكرة اللاشعور فاعتبروه مفتاح فهم الشخصية و الاسلوب الامثل
لعلاج كثير من الامراض فالشعور وحده ليس كافي لمعرفة كل خبايا النفس و مكنوناتها
فهناك مجموعة من الحوادث النفسية المكبوتة التي تؤثر في النفس دون الشعور بها و
مكتشف الشعور هو فرويد مع انه ظهرت بوادر هذا
الاستكشاف مع ليبشن
حيث قال
"لدينا
في كل لحظة عدد لا نهاية له من الادراكات التي لا تامل فيها و لا نظر" كما اكد هذا
الراي اطباء النفس من خلال معالجتهم اعراض مرض الهيستيريا امثال بويرو شاركو و كانت طريقة العلاج المتبعة هي اعطاء المريض
ادوية و تنويمه مغناطيسيا فوجدو ان هناك اضطرابات عقلية و نفسية دون وجود خلل عضوي
على المريض و فكرة التنويم المغناطيسي الا ان نتائج هذه التجارب كانت محدودة الى
ان جاء الطبيب النمساوي و الفيلسوف فرويد و اثيت وجود اللاشعور حيث راى ان هذه
الاحلام وزلات القلم و الافكار و فلتان اللسان والنسيان المؤقت لاسماء بعض الاشخاص
و المواعيد و التي لا نعرف في بعض الاحيان مصدرها ليست مجرد صدفات فيقول "ان تجربتنا اليومية الشخصية تواجهنا بافكار تاتينا دون ان
نعي مصدرها و نتائج فكلاية لا نعرف كيف تم اعدادها "فالدوافع
اللاشعورية المكبوتة هي التي تعود على ماضي الشخص هي سبب هذه الهفوات ومن الامثلة
ما رواه فرويد على فلتان اللسان عند افتتاح مجلس النيابي الجلسة بقوله"ايها السادة اتشرف بان اعلن عن رفع الجلسة " فاكتشف فرويد ان رئيس المجلس النيابي لم يكن
يرغب في تلك الجلسة فتبين له ان اعراض الاعصاب كالهستيريا و الخوف تعود لرغبات
مكبوتة في اللاشعور فاستنتج ان هناك شيء نفسي و لا شعوري في ان واحد اي انه هناك
جانب في حياتنا توجد فيه اسرار و عقد لا يسمح لها بالخروج في حالة الشعور و هذا
مادفع به الى الكشف عن نظرية في التحليل النفسي القائمة على التداعي الحر فهناك
اعراض تظهر عند المصابين بمرض الهيستيريا وقد تظهر في صورة اعراض غير مرضية عند عامة
الناس مثل فلتات اللسان زلات القلم الاحلام ...الخ .و زوال هذه الاعراض يتم بواسطة
نتقالها الى ساحة الشعور كما اثبت الطب النفسي ان كثيرا من الامراض و عقد
الاضرابات النفسية يمكن علاجها بالرجوع الى خبرات و الاحداث كالصدمات و الرغبات و الغرائز المكبوتة في اللاشعور.
المناقشة:
يمكن اعتبار
ما جاء به انصار هذا الاتجاه صحيح باعتبار ان اللاشعور اصبح حقيقة علمية لا يمكن
انكارها فقد ساهم في اكتمال و تصحيح بعض المفاهيم النفسية و الافعال التي كان
الانسان يجهل مصدرها و لكن حتى وان اصبح حقيقة لا تنكر فهذا لا يعني التسليم
الكامل به فالحوادث النفسية لدى الانسان تبقى في مجال الشعولر بالدرجة الاولى
فالانسان يعيش معظم لحظات حياته واعيا
التركيب:
ان التحليل
النفسي لظاهرة اللاشعور يجب ان يرتكز على منطلقات تاريخية و منطقية فالنفس البشرية
درسها الكثير من الفلاسفة و يهتم بها في عصرنا انصار المدرسة السلوكية حيث يقول ودورت في هذا الصدد "علم
النفس عند اول ضهوره زهقت روحه ثم خرج عقله ثم زال الشعور و بقي المظهر الخارجي و
هو السلوك "فجعل سلوكات الافراد فيها جانبا يفسر على اساس الشعور و
جانب اخر يفسر على اساس الشعور فيما اننا لا نفقد الشعور الا من بعد ان ننام و
نقوم دوما باسترجاعه عند الصحو فبذلك هو يحتل جانبا مهما في حياتنا و لكن لا ننسى ان
محرك اللاشعور لا يتوقف عن الحركة بل ينشط و يتزايد نشاطه عنه ما يتكاسل الشعور عن
العمل و بالتالي فيبقى الشعور هو المركز و الذي يطغى على النفس البشرية كما انه لا
يمكن انكار اللاشعور باعتباره حقيقة علمية تم تبريرها.
حل المشكلة:
و مجمل القول
ان الحياة النفسية ترتكز اساسا على الشعور باعتبار ان الانسان كائن واع بالدرجة
الاولى كما انه لا يمكن القول ان الشعور يمثل مجمل الحياة النفسية و هذا يعني ان يفلت من الشعور يمكن رده الى شعور باعتبار انه ساهم في معالجة الكثير من الامراض
النفسية و حل العقد بسبب ادراكهم الحقيقة ما يخفي الانسان داخله فالطبيب النفساني
بفضل مظاهر الاشعور يتعرف على طبيعة مكبوتات الانسان و يذلك يستطيع حل المشاكل
التي يكون سببها المكبوتات.
تعليقات
إرسال تعليق