هل علاقتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الاحساس ام الادراك؟
هل علاقتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الاحساس ام الادراك
طرح المشكلة :
يتعامل و يتفاعل الانسان مع العالم الخارجي و يتلقى الكثير من المنبهات بما
فيها من اشياء مادية و التي تمثل المحيط الخارجي و افراد يشكلون المحيط الاجتماعي
و يحقق ذالك عن طريق ما منحته اياه الطبيعة الخلقية من قدرات داخلية و خارجية و
المتمثلة في الاحساس و الذي هو عبارىة عن عملية اولية بسيطة تنتج عن تاثر الحواس بمنبه
خارجي حيث يعرفه الجرجاني
الاحساس هو ادراك الاشياء باحدى الحواس.
و بذالك فهو اداة تواصل بالعالم الخارجي و وسيلة من وسائل المعرفة عند
الانسان و لا يعتبر الاحساس الاداة الوحيدة للمعرفة فهناك ايضا ما يعرف بالادراك و الذي هو عبارة عن
عملية نفسية معقدة هذا الاخير الذي ينبع من اهتماماتنا و قدراتنا العقلية فالانسان
يعيش في بيئة مادية و اجتماعية هذه الاخيرة التي لها اثار من كل الجوانب و لذلك
فهو مطالب بالتكيف من اجل البقاء و الاستمرار و لكن ما لوحظ هو اختلاف الفلاسفة و
المفكرين فمنهم من يرى ان اساس ادراكنا للعالم الخارجي يكون عن طريق الاحساس حيث
يعتبرونه عامل اولي و اساسي في عملية الادراك كما ظهر اتجاه مناقض لهذا الاتجاه و
هو ما عرف بالاتجاه العقلاني فيرو ان اساس ادراكنا للعالم الخارجي يكون عن طريق
العقل فاذا كان الادراك معرفة يتم بها حصول صورة الشيء في الذهن كما يرى
العقلانيون و اذا كان العقل لا يبدع من العدم بل يستمد كل صوره و مواضيع تفكيره من
الواقع. هل هذا يعني اننا لا ندرك الا ما نحس به؟و لكن اذا كان كذالك كيف نفسر قدرة
العقل على تصور المفاهيم المجردة؟ هل علاقتنا بالعالم الخارجي تكون عن طريق الحواس
ام العقل؟
محاولة حل المشكل
عرض منطق الاطروحة :
يرى انصار الاتجاه الحسي ان مصدر الادراك هو التجربة الحسية فالعقل عاجز
على ادراك معاني و تكوين افكار لم يستمدها من الواقع فهم يرفضون وجود تفكير مجرد
مستقل عن التجربة الحسية فكل معرفة ينطوي عليها الادراك مصدرها الاحساس و مثال
ذالك ان الانسان اذا فقد حاسة فقد معرفة فالكفيف لا يدرك حقيقة الالوان و هذا يثبت
ان الادراك يستلزم وجود الحواس التي هي نوافذ المعرفة و من انصار هذا الاتجاه نجد
الفيلسوف مولينو"اذا علمنا الاكمة قليلا من
الهندسة حتى صار يفرق بين الكرة و المكعب ثم عالجناه ووضعنا امامه كرة و مكعب فهل
يستطيع قبل التجربة الحسية ان يدرك كلا منهما على حدى و ان يفصله على الاخر
"فالادراك هو تركيب بين الاحساسات و نجد كذالك الفيلسوف جون ستيوارت مل يؤيد هذا الراي فيرى ان مجموعة
الاشياء توحي بفكرة العدد كما دعم علم النفس هذا الموقف ببعض التجارب منها ان
الطفل لا يدرك العدد الا اذا قدمناها له على شكل اشياء معدودة فابالاحساس نتصل
اتصالا مباشرا مع العالم الخارجي و نتفاعل معه و كما قال الفيلسوف
ريبو"ان الانسان يتعلم خصائص المكان الطول
العرض العمق من التجربة الحسية كما نجد الفيلسوف ارسطو
الذي اكد على اهمية الحواس في ادراكنا للعالم الخارجي فيقول "الروح لا
تفكر بدون صورة "فالحواس تعتبر اهم عامل في اكتشاف و تكيف الانسان مع عالمه
الخارجي و باعتبار ان هذا الراي قاصم على مجموعة من الركاصز المتينة ايده الكثير
من الفلاسفة المدرسيين امثال كوندياك ابيقور الذي
يقول "ان المعنى الكلي يحدث نتيجة لتكرار الاحساس"
المناقشة:
لقد ارجعت هذه الاطروحة الادراك الى الاحساس و لكن الحواس تخطئ و من الحكمة
الا ناسس الادراك على معيار خاطئ و كما قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت "اني وجدت الحواس خداعة و من الحكمة الا
نطمئن لمن خدعونا و لو مرة واحدة "فالحيوان على سبيل المثال يملك الحواس و مع
ذلك لا يدرك عالمه الخارجي و كذلك الطفل الصغير الذي يبقى يجهل العالم الخارجي مع
امتلاكه للحواس و هذا دليل على ان الحواس ليست العامل الوحيد و الاساسي في عملية التعرف
على العالم الخارجي فالانسان دائما في حاجة الى عقل يسيره و يرشده و كما قال
الفيلسوف الان "الادراك معرفة مسبقة فمن يدرك
جيدا يعرف مسبقا ما يجب فعله "و بما ان التخطيط و المعرفة القبلية ليس من
خصائص الحواس فهل هذا يعني وجود مصدر اخر يساعد الانسان
على التكيف و ادراك عالمه الخارجي؟
عرض نقيض الاطروحة:
باعتبار ما جاء به الحسيون كان
نسبيا و لم تؤمن به عامة الناس فظهر اتجاه اخر و هو ما عرف بالاتجاه العقلاني الذي
يرى ان الادراك يتوقف على نشاط الذهن اي ان كل معرفة ينطوي عليها الادراك مصدرها
العقل و ليس الحواس و هذا ما ذهب اليه الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي هاجم
الاحساس بقوله "اني وجدت الحواس خداعة و من الحكمة الا نطمئن لمن خدعونا و لو
مرة واحدة " و من الامثلة التوضيحية التمثال في اعلى الجبل تراه في الاسفل
صغيرا اما اذا صعدت تراه كبيرا فالعقل هو الذي يصحح الاخطاء التي تقع فيها الحواس
فالصياد يدرك الحل الصحيح و ينجح في اصطياد فريسته بفضل التخطيط المسبق كما نجد
الفيلسوف كانط الذي ذهب و كغيره من انصار هذا الاخير الذي اكد على العقل يدرك فكرة الزمان
و المكان قبل اتصاله بالواقع كما له القدرة على معرفة ما هو الخير و ما هو الشر قبل
الرجوع الى الواقع و كما يقول الفيلسوف الان الادراك
معرفة مسبقة صفة منعدمة لدى الحواس وصفة اساسية عند العقل فالطفل الصغير على سبيل
المثال دائما ما يفشل لان عقله لم يصل بعد الى قدرة التخطيط كما نجد الفيلسوف ليبنتز و هو ينفي الحواس فيقول "لا يمكن ان تكون
الافكار المجودة في الروح ماخوذة من الحواس و الا لوجب ان تكون الروح مادة و
الروحليست مادة " فمن خلال رؤيتنا الى المكعب نرى انه يتكون من ثلاثة وجوه و
تسعة اضلاع فالمكعب شيء معقول و ليس محسوس عليه فالانسان دائما ما يكون في حاجة
الى عقل يفكر و يخطط به حتى يبسجم مع عالمه الخارجي و يفهمه بشكل صحيح و يفسر
مضمونه و لا يركز على الشكل فقط و يعتبر العقل افضل وسيلة لتحقيق ذالك الانسجام و
التكيف المطلوب حتى يضمن استمراره و بقاءه و يقول ايضا
ديكارت "ان ادراك بمحض ما في ذهني من قوة ما كنت احسب اني اراه بعيني ويليام جيمس"لا يحس الراشد الاشياء بل يدركها"
المناقشة:
لا نستطيع ان ننكر ان الانسان
بعقله يستطيع ان يتصور عالما مجردا لا علاقة له بالواقع غير ان العقل لا يستطيع ان
يبدع من العدم فالتجربة الحسية هي القاعدة الاولى التي ينطلق منها العقل في تكوين
صوره التي يجردها بعد ذالك من صفاتها الحسية
ليكون لنا تصورات عقلية مجردة فيما ان الاشياء مستقلة عن ذواتنا فلا يمكن
اهمال دور الحواس كما ان الانسان يمر بمرحلة طفولة يكون عقله فيها قادر على تصور
معاني و افو افكار و صور الا اذا راها في الواقع و مرت بحواسه و من هنا لا يمكن
التركيز على العقل و نفي دور الحواس .
التركيب:
تعتبر مشكلة الاحساس و الادراك من المشكلات الفلسفية التي واجهت الفلاسفة و
العلماء و لم يستطيعو الفصل فيها مما ادى الى ظهور موقفين الحسي و الذي يرى ان
اساس معرفتنا و ادراكنا للعالم الخارجي
يكون عن طريق الحواس و العقلي الذي يرجع كل المعارف و المكتسبات الى العقل و هذا
ما ادى الى ظهور اتجاه ثالث هذا الاخير الذي مزج بين العقل و التجربة و جعلهما
واحد لا يتجزا فالمعرفة الانسانية ضرورية عقلية وواقعية حسية و في هذا الصدد قال
الفيلسوف الالماني كانط"المعلومات العقلية بدون معطيات حسية
جوفاء و المعطيات الحسية بدون معلومات عقلية عمياء "فالحواس تمدنا بمعطيات
واقعية يحللها العقل حسي مقولاته القبلية و منه فالعقل و الحواس هما شيئان
متكاملان لا يمكن اهمال احدهما لانه سيؤثر سلبا عن الاخر و يصبح عاجزا فالحواس هي
التي تمدنا بالمعلومات الخارجية و العقل هو الذي يحللها و يفسرها و يترجمها على
شكل ردود افعال.
حل المشكلة :
و في الاخير نستخلص ان التصورات الكلاسيكية الحسية او العقلية بقيت حبيسة الجدل الفلسفي و
مع تعدد المباحث الفلسفية لم يستطع الفلاسفة معرفة من له الاولوية على الاخر العقل
ام التجربة فالتركيز على الحواس يعني اننا نركز على جزء من الشخصية و العكس صحيح
فحقيقة معرفتنا للعالم الخارجي تكمن في الربط بين العقل و الحواس لان الحكم العقلي
مرتبط بالتجربة الحسية كما ان التجربة الحسية مرتبطة باحكام و تفسيرات العقل و
كمخرج للمشكلة نستنتج ان الادراك محصلة لتكامل الحواس و العقل معا.
اذا اعجبك الموضوع اضغط على الاعجاب من اجل دعمنا لتقديم الافضل
شكرا على المقالة
ردحذفشكرا لك على هذه المعلومات
ردحذفmerçi bokou
ردحذفشكرا على المعلومات
ردحذفهل نستطيع أن نصوغ الإشكالية كالتالي هل نحس أم ندرك
ردحذفهنا نستطيع أن نغير كلمة مناقشة بالنقد أم لا؟؟!!
ردحذف