هل ادراكنا للاشياء يتوقف على فاعلية الذات ؟-مقالة فلسفية هل ادراكنا للاشياء يتوقف على فاعلية الذات ؟
هل ادراكنا للاشياء يتوقف على فاعلية الذات فقط؟
طرح المشكلة :
يتعامل و يتفاعل الانسان مع العالم الخارجي و يتلقى
الكثير من المنبهات بما فيها من اشياء مادية و افراد يشكلون المحيط الاجتماعي
فهناك من يرى ان الادراك هو تلك الفاعلية العقلية التي نتعرف بواسطتها على العالم
الخارجي و بعقله و نطلع على خواصه و لكن هناك من يرى ان المعطيات الخاصة بالموضوع
المدرك هي الاساس في عملية الادراك و هذا ما ادى الى الاختلاف بين علم النفس
التقليدي و الحديث فالاول يرى ان الشروط الذاتية و النفسية و العقلية و البيولوجية
هي العناصر الاولية و الضرورية في حدوث عملية الادراك اما علم النفس الحديث فيعتبر
ذلك خطا حيث راح يصحح هذه النظرية منطلقا من العوامل الموضوعية و يرى انها العناصر
الاولية في عملية الادراك و عليه نطرح الاشكال التالي هل ادراكنا للاشياء يتوقف على
فاعلية الذات ام على العوامل الخارجية الموضوعية ؟
محاولة حل المشكل :
عرض منطق الاطروحة :
يرى انصار هذا الاتجاه
ان عملية الادراك تعود الى العوامل الذاتية مثل الاستعدادات العقلية التي تمكن من
الادراك فالانسان عندما يكون مرتاحا تكون لديه قدرة على الانتباه و التركيز افضل
مما يكون في حالة قلق كما يدرك الفرد بسهولة الاشياء التي تتفق مع ميوله و رغباته
، فعملية الادراك تتوقف على تفاعل انسجام عاملين هما الشعور و الشيء المدرك و من
انصار هذا الاتجاه نجد الفيلسوف هوسرل الذي يرى ان ادراكنا
للعالم الخارجي لا يكون ثابت بل متغير حسب حالاتنا النفسية ففي الحزن نرى العالم
كئيبا و في الفرح نراه جميلا ...و هكذا كما يتضح اثر العاطفة في ان الشخص الذي
نحبه نرى فيه الاجابيات عكس الشخص الذي
نكرهه نرى فيه السلبيات فقط ، و من انصار هذا الاتجاه نجد الذهنيين امثال ديكارت يقول "الادراك
حكم عقلي" و عند التجريبيين امثال جورج بركلي "ان ادراك المسافات حكم
يستند الى التجربة و الخبرة في توجيه الادراك " و نجد كذلك من انصار
هذا الاتجاه الفيلسوف ميرلوبونتي حيث يقول "ليس
العالم ما افكر فيه بل ما اعيشه و احياه " كما يقف بيرلو من خلال تجاربه على
اطفال العرب "ادراك الاشياء من اليمين الى
اليسار" و غير
العرب "ادراك الاشياء من اليسار الى
اليمين " و منه حسب
بيرلو الادراك راجع الى دور العادة و منه فعملية الادراك ترجع الى العوامل الذاتية
.
المناقشة :
صحيح ان للعوامل
الذاتية دور في عملية الادراك ، و لكن العوامل الذاتية وحدها غير كافية و الا
لتمكن الجميع من الادراك لان قدرة العقل مشتركة ، كما ان هذه الاطروحة فصلت فصلا
تعسفيا بين الذات و الموضوع حيث ركزت على دور الشعور غير ان نتائج التحليل النفسي
اثبتت ان معطيات الشعور ناقصة كما ان العاطفة في كثير من الاحيان تخفي الحقيقة و
منه فهل المعطيات المحيطة بالموضوع
المدرك تتدخل في عملية الادراك ؟
عرض نقيض الاطروحة :
يرى انصار هذا الاتجاه
ان عملية الادراك تعود الى العوامل الموضوعية و هذا ما اكد عليه علماء النفس الحديث
حيث راو ان الشكل الخارجي للموضوع و بناءه العام و هو الذي يحدد درجة الادراك و
نجد هذا الراي عند علماء الجشطالت كوهلر، يوهلر، فرثيمر الذين ركزو على الصفة الكلية للموضوع و اعتبروها
اساس الادراك فالجزء لا يكتسب معناه الا داخل الكل الذي ينتظم وفق قوانين اهمها
قانون الانتظام و هو الذي يتحكم في العلاقة بين الصورة و الخلفية ، فالصورة
المدركة تتركب من عناصر جزئية انتظمت فيها و شكلت صورة كلية و يكون ادراكنا للكل
اسبق من الجزء فنحن ندرك صورة الشجرة قبل الاغصان ، فنحن ندرك شكل الانسان بشكل
اوضح عندما نركز على الوجه ككل بدل التركيز على وضعية الطبيعة و الاوراق و صورة
القسم قبل الطاولة ، فعندما تكون هذه العلاقة منتظمة تبرز الصورة الفضلى اي الصيغة
البارزة فنحن لا نستطيع ان ندرك القطن فوق الثلج و هذا ما يعرف بقانون الشكل و
الارضية يقول غيوم "الادراك ليس
تجمعات للاحساسات بل انه يتم دفعة واحدة " ، فكل شكل يدرك في ارضية
معينة فالقمر يدرك في ارضية معينة و هي السماء و قانون التشابه و التقارب فالاشياء
المتشابهة في الشكل و الحجم و اللون تدرك مجتمعة و هكذا بالنسبة للاشياء المتقاربة
في الزمان و المكان .
المناقشة :
صحيح ان للعوامل الموضوعية دور في عملية الادراك ففي كثير من الاحيان ندرك الشيء حسب وجوده في العالم الخارجي و لكن حتى و ان كان للعوامل الموضوعية دور في عملية الادراك ايضا للعوامل الذاتية دور ، فالعوامل الموضوعية وحدها غير كافية هي الاخرى و الا لتساوى الادراك عند جميع المدركين لان الموضوع واحد فناخذ على سبيل المثال ادراك الفلاح للطبيعة ليس كادراك الفنان لها او المهندس المعماري فكل واحد يراها من زاوية اختصاصه و اهتمامه و منه فلا يمكن تجاهل العوامل الذاتية .
التركيب :
لا يسعنا الا القول ان
العلاقة بين العوامل الذاتية و العوامل الموضوعية هي علاقة تجاوز لاننا من الناحية
العملية لا نستطيع ان نفصل بين ما هو داخلي و ما هو خارجي ، فالفرد يدرك بالاعتماد
عليهما معا و بالتالي تبقى عملية الادراك عملية معقدة تتفاعل فيها العوامل الذاتية
(الذهن) و العوامل الموضوعية (الموضوع المدرك)
تعليقات
إرسال تعليق